الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.سورة المعارج: وتسمى سورة الموافق وسورة سأل.وهي مكية بالاتفاق على ما قال القرطبي وفي مجمع البيان عند الحسن إلا قوله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم}.وآيها ثلاث وأربعون في الشامي واثنتان وأربعون في غيره.وهي كالتتمة لسورة الحاقة في بقية وصف القيامة والنار وقد قال ابن عباس أنها نزلت عقيب سورة الحاقة.بسم الله الرحمن الرحيم.تفسير الآية رقم (1): {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)}{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} أي دعا داع به فالسؤال عنى الدعاء ولذا عدى بالباء تعديته بها في قوله تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فاكهة} [الدخان: 55] والمراد استدعاء العذاب وطلبه وليس من التضمين في شيء وقيل الفعل مضمن معنى الاهتمام والاعتناء أو هو مجاز عن ذلك فلذا عدى بالباء وقيل إن الباء زائدة وقيل إنها عنى عن كما في قوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] والسائل هو النضر بن الحرث كما روى النسائي وجماعة وصححه الحاكم عن ابن عباس وروي ذلك عن ابن جريج والسدي والجمهور حيث قال إنكارًا واستهزاءً {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32] وقيل هو أبو جهل حيث قال: {أسقط علينا كسفًا من السماء} [الشعراء: 187] وقيل هو الحرث بن النعمان الفهري وذلك أنه لما بلغه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي كرم الله تعالى وجهه من كنت مولاه فعلى مولاه قال اللهم إن كان ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حقًا فامطر علينا حجارة من السماء فما لبث حتى رماه الله تعالى بحجر فوقع على دماغه فخرج من أسفله فهلك من ساعته وأنت تعلم أن ذلك القول منه عليه الصلاة والسلام في أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه كان في غدير خم وذلك في أواخر سني الهجرة فلا يكون ما نزل مكيًا على المشهور في تفسيره وقد سمعت ما قيل في مكية هذه السورة وقيل هو الرسول صلى الله عليه وسلم استعجل عذابهم وقيل هو نوح عليه السلام سأل عذاب قومه وقرأ نافع وابن عامر سال بألف كقال سايل بياء بعد الألف فقيل يجوز أن يكون قد أبدلت همزة الفعل ألفًا وهو بدل على غير قياس وإنما قياس هذا بين بين ويجوز أن يكون على لغة من قال سلت أسال حكاها سيبويه وفي الكشاف هو من السؤال وهو لغة قريش يقولون سلت تسال وهم يتسايلان وأراد أنه من السؤال المهموز معنى لاشتقاقًا بدليل وهما يتسايلان وفيه دلالة على أنه أجوف يائي وليس من تخفيف الهمزة في شيء وقيل السوال بالواو الصريحة مع ضم السين وكسرها وقوله يتسايلان صوابه يتساولان فتكون ألفه منقلبة عن واو كما في قال وخاف وهو الذي ذهب إليه أبو علي في الحجة وذكر فيها أن أبا عثمان حكى عن أبي زيد أنه سمع من العرب من يقول هما يتساولان ثم إن في دعوى كون سلت تسال لغة قريش ترددًا والظاهر خلاف ذلك وأنشدوا لورود سال قول حسان يهجو هذيلًا لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيح لهم الزنا:وقول آخر: وجوز أن يكون سال من السيلان وأيد بقراءة ابن عباس سال سيل فقد قال ابن جني السيل هاهنا الماء السائل وأصله المصدر من قولك سال الماء سيلًا إلا أنه أوقع على الفاعل كما في قوله تعالى: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} [الملك: 30] أي غائرًا وقد تسومح في التعبير عن ذلك بالوادي فقيل المعنى اندفع واد بعذاب واقع والتعبير بالماضي قيل للدلالة على تحقق وقوع العذاب إما في الدنيا وهو عذاب يوم بدر وقد قتل يومئذٍ النضر وأبو جهل وأما في الآخرة وهو عذاب النار وعن زيد بن ثابت أن سائلًا اسم واد في جهنم وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد عن ابن عباس ما يحتمله. .تفسير الآية رقم (2): {لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)}{للكافرين} صفة أخرى لعذاب أي كائن للكافرين أو صلة لواقع واللام للتعليل أو عنى على ويؤيده قراءة أبي على الكافرين وإن صح ما روي عن الحسن وقتادة أن أهل مكة لما خوفهم النبي صلى الله عليه وسلم بعذاب سألوا عنه على من ينزل ون يقع فنزلت كان هذا ابتداء كلام جوابًا للسائل أي هو للكافرين وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} صفة أخرى لعذاب أو حال منه لتخصيصه بالصفة أو بالعمل أو من الضمير في للكافرين على تقدير كونه صفة لعذاب على ما قيل أو استئناف أو جملة مؤكدة لهو للكافرين على ما سمعت آنفًا فلا تغفل وقوله سبحانه:.تفسير الآية رقم (3): {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)}{مِنَ الله} متعلق بدافع ومن ابتدائية أي ليس له دافع يرده من جهته عز وجل لتعلق إرادته سبحانه به وقيل متعلق بواقع فقيل إنما يصح على غير قول الحسن وقتادة وعليه يلزم الفصل بالأجنبي لأن {للكافرين} [المعارج: 2] على ذلك جواب سؤال ثم إن التعلق بواقع على ما عدا قولهما أن جعل للكافرين من صلته أيضًا كان أظهر وإلا لزم الفصل بين المعمول وعامله بما ليس من تتمته لكن ليس أجنبيًا من كل وجه {ذِي المعارج} هي لغة الدرجات والمراد بها على ما روي عن ابن عباس السموات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء ولم يعينها بعضهم فقال أي ذي المصاعد التي تصعد فيها الملائكة بالأوامر والنواهي وقيل هي مقامات معنوية تكون فيها الأعمال والاذكار أو مراتب في السلوك كذلك يترقى فيها المؤمنون السالكون أو مراتب الملائكة عليهم السلام وأخرج عبد بن حميد عن قتادة تفسيرها بالفضائل والنعم وروى نحوه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس وقيل هي الغرف التي جعلها الله تعالى لأوليائه في الجنة والأنسب بما يقتضيه المقام من التهويل ما هو أدل على عزه عز وجل وعظم ملكوته تعالى شأنه..تفسير الآية رقم (4): {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)}{تَعْرُجُ الملئكة والروح} أي جبريل عليه السلام كما ذهب إليه الجمهور أفرد بالذكر لتميزه وفضله بناء على المشهور من أنه عليه السلام أفضل الملائكة وقيل لمجرد التشريف وإن لم يكن عليه السلام أفضلهم بناءً على ما قيل من أن إسرافيل عليه السلام أفضل منه وقال مجاهد الروح ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني آدم لا تراهم الحفظة كما لا نرى نحن حفظتنا وقيل خلق هم حفظة الملائكة مطلقًا كما أن الملائكة حفظة الناس وقيل ملك عظيم الخلقة يقوم وحده يوم القيامة صفًا ويقوم الملائكة كلهم صفًا وقال أبو صالح خلق كهيئة الناس وليسوا بالناس وقال قبيصة بن ذؤيب روح الميت حين تقبض ولعله أراد الميت المؤمن وقرأ عبد الله والكسائي وابن مقسم وزائدة عن الأعمش يعرج بالياء التحتية {إِلَيْهِ} قيل أي إلى عرشه تعالى وحيث يهبط منه أوامره سبحانه وقيل هو من قبيل قول إبراهيم عليه السلام {إني ذاهب إلى ربي} [الصافات: 99] أي إلى حيث أمرني عز وجل به وقيل المراد إلى محل بره وكرامته جل وعلا على أن الكلام على حذف مضاف وقيل إلى المكان المنتهى إليه الدال عليه السياق وفسر حل الملائكة عليهم السلام من السماء ومعظم السلف يعدون ذلك من المتشابه مع تنزيهه عز وجل عن المكان والجسمية واللوازم التي لا تليق بشأن الألوهية وقوله تعالى: {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} أي من سنينكم الظاهر تعلقه بتعرج واليوم عنى الوقت والمراد به مقدار ما يقوم الناس فيه لرب العالمين إلى أن يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار من اليوم الآخر والذي لا نهاية له ويشير إلى هذا ما أخرج الإمام أحمد وابن حبان وأبو يعلى وابن جرير والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم فقال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده أنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا واختلف في المراد بهذا التقدير على هذا الوجه فقيل الإشارة إلى استطالة ذلك اليوم لشدته لا أنه بهذا المقدار من العدد حقيقة وروى هذا عن ابن عباس والعرب تصف أوقات الشدة والحزن بالطول وأوقات الرخاء والفرح بالقصر ومن ذلك قول الشاعر:وقوله: وقوله: إلى ما لا يكاد يحصى وفي قوله عليه الصلاة والسلام في الخبر السابق أنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من صلاة مكتوبة إشارة إلى هذا وكذا ما روي عن عبد الله بن عمر من قول يوضع للمؤمنين يومئذ كراسي من ذهب ويظلل عليهم الغمام ويقصر عليهم ذلك اليوم ويهون حتى يكون كيوم من أيامكم هذه ولينظر على هذا القول ما حكمة التنصيص على العدد المذكور وقيل هو على ظاهره وحقيقته وإن في ذلك اليوم خمسين موطنًا كل موطن ألف سنة من سني الدنيا أي حقيقة وقيل الخمسون على حقيقتها إلا أن المعنى مقدار ما يقضي فيه من الحساب قدر ما يقضي بالعدل في خمسين ألف سنة من أيام الدنيا وهو مروي عن عكرمة وأشار بعضهم إلى أن المقدار المذكور عليه مجاز عما يلزمه من كثرة ما يقع فيه من المحاسبات أو كناية فكأنه قيل في يوم يكثر فيه الحساب ويطول بحيث لو وقع من غير أسرع الحاسبين وفي الدنيا طال إلى خمسين ألف سنة وتخصيص عروج الملائكة والروح بذلك اليوم مع أن عروجهم متحقق في غيره أيضًا للإشارة إلى عظم هوله وانقطاع الخلق فيه إلى الله عز وجل وانتظارهم أمره سبحانه فيهم أو للإشارة إلى عظم الهول على وجه آخر وأيًا ما كان فالجملة استئناف مؤكد لما سيق له الكلام وقيل هو متعلق بواقع وقيل بدافع وقيل بسال إذا جعل من السيلان لا به من السؤال لأنه لم يقع فيه والمراد باليوم على هذه الأقوال ما أريد به فيما سبق وتعرج الملائكة والروح إليه مستطرد عند وصفه عز وجل بذي المعارج وقيل هو متعلق بتعرج كما هو الظاهر إلا أن العروج في الدنيا والمعنى تعرج الملائكة والروح إلى عرشه تعالى ويقطعون في يوم من أيامكم ما يقطعه الإنسان في خمسين ألف سنة لو فرض سيره فيه وروى عن ابن إسحق ومنذر بن سعيد ومجاهد وجماعة وهو رواية عن ابن عباس أيضًا واختلف في تحديد المسافة فقيل هي من وجه الأرض إلى منتهى العرش وقيل من قعر الأرض السابعة السفلى إلى العرش وفصل بأن ثخن كل أرض خمسمائة عام وبين كل أرضين خمسمائة عام وبين الأرض العليا والسماء الدنيا خمسمائة عام وثخن كل سماء كذلك وما بين كل سماءين كذلك وما بين السماء العليا ومقعر الكرسي كذلك ومجموع ذلك أربعة عشر ألف عام ومن مقعر الكرسي إلى العرش مسيرة ست وثلاثين ألف عام فالمجموع خمسون ألف سنة وفي خبر أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه ولعله لا يصح وإن لم تبعد هذه السرعة من الملائكة عليهم السلام عند من وقف على سرعة حركة الأضواء وعلم أن الله عز وجل على كل شيء قدير ومن الناس من اعتبر هذه المدة من الأرض إلى العرش عروجًا وهبوطًا واعتبرها كذلك من الأرض إلى مقعر السماء الدنيا في قوله سبحانه:{يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} [السجدة: 50] ومن يعتبر أحد الأمرين يعتبر هنا محدب السماء الدنيا والأرض وسيأتي إن شاء الله تعالى ما للمتصوفة في ذلك وقيل الكلام بيان لغاية ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على سبيل التمثيل والتخييل والمراد أنها في غاية البعد والارتفاع المعنوي على بعض الأوجه في المعارج أو الحسي كما في بعض آخر وليس المراد التحديد وعن عكرمة أن تلك المدة هي مدة الدنيا منذ خلقت إلى أن تقوم الساعة إلا أنه لا يدري أحد ما مضى منها وما بقي أي تعرج الملائكة إليه في مدة الدنيا وبقاء هذه البنية وهذا يحتاج إلى نقل صحيح والظاهر أنه أراد بالدنيا ما يقابل الأخرى ويشمل العرش ونحوه ويرد عليه أن ما ورد عن علي كرم الله تعالى وجهه جوابًا لمن سأله متى خلق الله تعالى العرش يكذبه فإنه يدل على أن ما مضى من أول زمن خلقه إلى اليوم يزيد على خمسين ألف سنة بألوف ألوف سنين لا يحصيها إلا الله عز وجل ولعله أولى بالقبول مما قاله عكرمة والحق أنه لا يعلم مبدأ الخلق ولا مدة بقاء هذه البنية إلا الله عز وجل بيد أنا نعلم بتوفيق الله تعالى أن هذا العالم حادث حدوثًا زمانيًا وأنه ستبدل الأرض غير الأرض والسموات وتبرز الخلائق لله تعالى الواحد القهار.
|